كانت التجربة الحاسمة في مسيرتي الفنية عملاً من أعمال ووكر إيفانز. تظهر صورة "مطبخ المزارعين" ، مقاطعة هيل ، ولاية ألاباما عام 1936 ، غرفة مضاءة، ولكن عن قرب يكتشف المتفرّج منشفة معلقة على مسمار في كوخ بسيط للفقراء. والفقر يصبح واضحاً في صورة أخرى مثالية لعائلة في منزل: جميع أعضاؤها لهم وجوه تائهة إلا أصغرهم فهو يضحك. هذا الطفل لم يفهم بعد البؤس الذي ولد فيه... وكانت قد كلّفت إدارة أمن المزارع ووكر ايفانز مثل غيره من الفنانين بتوثيق ظروف المعيشة الكارثية في الغرب الأوسط خلال فترة الكساد الكبير. القصة الشهيرة "عناقيد الغضب" الذي كتبها جون شتاينبك سنة 1939 وأخرجها جون فورد في فيلم بعد ذلك بعام، لها صلة شديدة بهذه الوقائع. والمثير للاهتمام إن وليام كريستنبري الذي كان صديقا لجورج إيفانز، زار المواقع نفسها وقام بتوثيقها لكن بالألوان، ومن المخيف أن يظهر عمله الحالي الكارثة نفسها كما لوأن شيئاً لم يتغير.
ومنذ أن أدركت تعقيد صور ووكر ايفانز وأنا معجب بطريقته الخفية لانتقاد الظلم الاجتماعي.
ينتمي ووكر ايفانز إلى ممثلي الواقعية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان عضو آخر، أنسل أدامز، قد أثار إعجابي في وقت سابق. وهو مصوّر المناظر الطبيعية الأكثر شهرة في الولايات المتحدة، وضع نظام المنطقة في أوائل 1940. وتم تصميم هذه التقنية للمساعدة في جعل الصورة المخطط لها مسبقاً حقيقية من خلال معايير تعرّض دقيقة. وبعد البحث في نظام المنطقة فوجئت بالنوعية التقنية التي يمكن أن أبلغها الآن، والتي كان لها بعض التأثير على عملي، وبالتالي بدأت باحترام الأشياء البسيطة في صوري.
وموجة الإندفاع الأخرى كان مصدرها شعراء الواقعية السحرية Mágico Realismo في الفن بأمريكا اللاتينية، وفي الطليعة ميغيل أنخيل استورياس. في رواية "رجال من الذرة") de maíz Hombres ، 1949) أقام جسراً بين الواقع المرئي و أساطير هنود المايا في أمريكا الوسطى إذ أوجد واقعاً جديداً. أما غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل، فهو صاحب أفضل سمعة في الصيغة الإسبانية. ولكن بالنسبة لي، هو كارلوس فوينتس الذي أعطاني دفعة حاسمة جديدة مع روايته "شاك-مول" Chac-Mool (اسم إله المطرعند المايا). عندما قرأت الكلمات الاخيرة فهمت بطريقة سحرية أن الخفي هو حقيقة يجب ان نتقبلّها.
يحتوي موقعي على الكثير من الصور من جنوب اسبانيا. وكان حافزي على الاستمرار في الاتجاه نحو الأندلس هو الرواية التاريخية "في ظلال الرمان" التي كتبها طارق علي في 1992، يصف سقوط الأندلس التي تسبب في حشد العالم المسلم لرعاية منطقة أندلسية. وكان قد تم تسليم غرناطة، مملكة الإسلام الأخيرة في اسبانيا، إلى الملوك الكاتوليك في 1492 (فرناندو دي أراغون و إيزابيلا دي كاستيا). غير أن هذا التعايش الفريد والسلمي نسبياً بين المسلمين و واليهود والنصارى انتهى بسبب التطرّف النامي لدى هذه الأطراف.
وتظهر صورتي في المربع الموجود على الجانب الأيمن، شرفة في حي البايسين، الحي العتيق العربي في قلب غرناطة. في بادئ الأمر قد يبدو تداخل الضوء والظلال أمراُ لافتاً. ولكن هناك أكثر، لماذا قضبان الشرفة وظلالها وتبدو كأنها واحدة؟ والجواب يأتي به تاريخ هذه المدينة ذات الأصل الشرقي، الذي يعكسه مبدأ "أن ترى بدون أن تكون مرئياً"، وهو الحريم. وهذا يدل بطريقة سحرية أن الماضي المغاربي ما زال حياً في وقتنا الحاضر في الأندلس.
لقد أثار أنسل آدمز لدي القدرة على البراعة التقنية وتقدير الأمور البسيطة، وحفزني ووكر ايفانز على البحث عن التعبير في تعدد الطبقات، وكتّاب "الواقعية السحرية" على وصل المرئي بالواقع الخفي...
© Thomas Weber 2010 - 2024